كيفية بر الأم بكل الطرق

كيف أبر أمي؟

البر بالوالدين هو أحد أعظم القيم التي حث عليها الدين الإسلامي، وأيضًا من المبادئ الإنسانية التي تمثل جوهر الاحترام والعرفان بالجميل. وقد خصَّ الله سبحانه وتعالى الأم بمكانة عظيمة، وجعل رضاها مرتبطًا برضا الله، وعصيانها مرتبطًا بغضب الله. إن البر بالأم لا يُقاس فقط بالأعمال الملموسة مثل تقديم المساعدات المالية أو العينية، بل يمتد ليشمل المشاعر والاحترام والعناية والتقدير في جميع جوانب الحياة.

تبدأ رحلة البر بالأم منذ اللحظة التي يكتشف فيها الطفل هويته داخل الأسرة، وتستمر طوال العمر. البر بالأم ليس مجرد رد فعل على احتياجاتها المادية أو العاطفية، بل هو موقف دائم ينبع من القلب ويظهر في كل تصرف في حياتنا. لذلك، فإن موضوع البر بالأم يتطلب تفكيرًا عميقًا وتأملًا في كيفية التصرف بشكل يعكس حبًا صادقًا واهتمامًا حقيقيًا.

1. البر بالأم في القرآن الكريم والسنة النبوية

لقد أكد القرآن الكريم في العديد من الآيات الكريمة على بر الوالدين، وجعل ذلك من أعظم الأعمال التي يمكن للإنسان القيام بها. ففي سورة الإسراء، يقول الله تعالى:

“وَقَضى رَبُّكَ أَلا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا”

(الإسراء: 23).

وفي هذه الآية الكريمة نجد أن الله سبحانه وتعالى يوصي بالإحسان إلى الوالدين بشكل عام، ويحث على ذلك بشكل خاص عندما يبلغون الكبر. في سياق هذا، تأتي الجملة “فلا تقل لهما أف” لتوضح درجة الاحترام التي يجب أن يتعامل بها الإنسان مع والدته، حتى في أصغر التفاصيل.

أما في السنة النبوية، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم العديد من الأحاديث التي تحث على البر بالأم وتكرار الدعوة إلى الاهتمام بها. فقد قال صلى الله عليه وسلم:

“رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة”

(رواه مسلم).

هذا الحديث يعكس المكانة العالية التي منحها الإسلام للأم، ويشجع الأبناء على تقديم كل ما يمكنهم من أجل إسعاد الأم والحفاظ على رضاها.

2. كيف أبر أمي؟ فهم مفهوم البر

البر لا يقتصر على فعل الخير أو المساعدة المباشرة فقط، بل يتسع ليشمل العديد من الأبعاد النفسية والمعنوية. لكي تبرَّ أمك، عليك أن تكون مستشعرًا لاحتياجاتها النفسية والجسدية، وتتعامل مع تلك الاحتياجات بطريقة مدروسة ومنسجمة مع متطلبات الحياة.

2.1 الإحسان في المعاملة

أحد أبرز مظاهر البر بالأم هو الإحسان في المعاملة. وهذا يشمل:

• احترامها والتعامل معها بلطف: في كل وقت، بغض النظر عن الظروف، يجب أن تعبر عن احترامك لها في أقوالك وأفعالك. قول كلمات مثل “شكراً” و”من فضلك” و”أنتِ الأفضل” تعتبر من أبرز علامات البر.

• عدم رفع الصوت عليها أو تجاهل مشاعرها: في حال حدث أي خلاف أو سوء تفاهم، يجب أن تحاول حل الأمور بهدوء دون تعنيف أو رفع الصوت. فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
  
  “إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحسنكم أخلاقًا”
  
  (رواه مسلم).

• الاهتمام بتفاصيل حياتها: بر الأم يشمل معرفة ما تحتاجه بشكل يومي، سواء كان ذلك عبر تقديم المساعدة في الأعمال المنزلية أو حتى الاستماع إلى مشاكلها وهمومها.

2.2 العناية الصحية والنفسية

إن بر الأم لا ينحصر فقط في احترامها، بل يمتد إلى العناية بصحتها الجسدية والنفسية. مع تقدم العمر، تزداد احتياجات الأم الصحية، لذلك يجب أن يكون الابن أو الابنة مستعدين لتوفير الدعم اللازم. قد يتضمن ذلك:

• زيارة الأطباء وتنظيم مواعيد العلاج: توفير الوقت والجهد لضمان أن الأم تتلقى العناية الصحية التي تحتاجها.

• مساعدتها في تناول الأدوية: إذا كانت الأم بحاجة إلى تناول أدوية بشكل منتظم، يجب أن تكون أنت الشخص الذي يذكرها بذلك.

• الاستماع لها وتقديم الدعم النفسي: الأم تحتاج أيضًا إلى الدعم العاطفي، خاصة مع تقدم العمر أو في أوقات الضغط النفسي. يمكن للابن أو الابنة أن يكونوا ملاذًا لها من خلال الاستماع لما تعبر عنه ومواساتها في الأوقات الصعبة.

2.3 الاهتمام بالاحتياجات المادية

في بعض الأحيان، قد تحتاج الأم إلى مساعدة مادية، خاصة إذا كانت قد تقدمت في السن أو كانت في حاجة إلى دعم إضافي. من مظاهر البر في هذه الحالة:

• تقديم الدعم المالي عند الحاجة: إذا كانت الأم بحاجة إلى مساعدتك في الأمور المالية، فإن هذا يعد من البر. سواء كان ذلك لتغطية احتياجاتها اليومية أو مساعدتها في دفع فواتير معينة.

• القيام بشراء مستلزماتها: حتى لو كانت الأم قادرة على القيام بذلك بنفسها، فإن إحضار ما تحتاجه من الأسواق أو المحلات التجارية يعد أيضًا من مظاهر البر.

2.4 التكريم والاحترام العام

البر بالأم لا يقتصر على الأمور الصغيرة فقط، بل يشمل أيضًا إظهار الاحترام والتقدير للأم في المجتمع. قد يتضمن ذلك:

• الدفاع عن شرفها وكرامتها: في المجتمع، يجب أن تكون مستعدًا للدفاع عن أمك عندما يتعرض أحدها للنقد أو التجريح. تكريم الأم لا يعني فقط احترامها في البيت، بل في كافة الأماكن.

• مشاركة اللحظات السعيدة معها: الأم تكون سعيدة عندما يشاركها أبناؤها لحظاتهم السعيدة، سواء كانت نجاحات في العمل أو إنجازات شخصية.

3. أهم المواقف التي تتطلب البر بالأم

أحيانًا تكون الحياة مليئة بالتحديات التي تجعل من الصعب على الأبناء البر بأمهاتهم كما ينبغي. في تلك الحالات، يصبح البر ضرورة أكبر في المواقف الصعبة التي قد تمر بها الأم.

3.1 عند المرض

عندما تمر الأم بوعكة صحية أو مرض مزمن، فإن البر بها يتطلب أكثر من مجرد الزيارة أو الاتصال. يجب أن يكون الابن أو الابنة حاضرين في كل لحظة، يقدمون العناية المستمرة والدعم النفسي والجسدي. هذا يتطلب تفرغًا واهتمامًا أكبر، وهو جزء أساسي من البر الذي يجب تقديمه في هذه المرحلة.

3.2 عند الكبر والعجز

مع تقدم العمر، قد تصبح الأم أكثر اعتمادًا على الآخرين في شؤون حياتها اليومية. هنا يظهر البر الحقيقي، من خلال تقديم الدعم الكامل في كل جانب من جوانب حياتها. قد يتضمن ذلك مساعدتها في التحرك، أو إدارة أمورها الشخصية، أو حتى تقديم الرعاية المنزلية إذا لزم الأمر.

4. البر بالأم في ضوء ثقافات أخرى

بالإضافة إلى الدين الإسلامي، فإن العديد من الثقافات الأخرى تعطي أهمية كبيرة لبر الوالدين، خاصة الأم. في الثقافات الغربية، يُعتبر عيد الأم أحد الأيام الأكثر أهمية في السنة، حيث يتم الاحتفال بالأمهات من خلال تقديم الهدايا، والرسائل، والاهتمام.

ورغم أن البر بالمفهوم الغربي قد يكون أقل صرامة من المنظور الديني، إلا أنه لا يزال يُنظر إلى البر بالأم كأحد أعظم الأعمال الإنسانية.